اعتقد أسلافنا أن الشخص واذا أصبح مريضا فان السبب ذلك هو نفوذ روح شريرة الى داخل جسمه، وكانوا يلجأون الى رجال الطب ( أطباء السحرة ) الذين يعملون على السيطرة أو التخلص من الروح الشريرة، وتمثلت احدى هذه الطرق في القيام باجراء الاحتفالات لتخويف الروح الشريرة أو خداعها للخروج من جسم المريض، وربما كان هذا يتطلب تغيير اسم الشخص المريض لخداع الروح الشريرة، الطريقة الأخرى تتم عن طريق تقديم القرابين لتهدئة الروح، وتتطلب هذه الشعائر لبس أقنعة وعزف موسيقى والقيام برقصات معينة، قام الأطباء السحرة أيضا بصناعة الأدوية، فقد استعملوا منتجات النباتات المحلية، واكتشفوا تدريجيا خواص العلاجية لكل واحدة منها، وغالبا ما كانت الجذور أو نباتات تخلط مع اجزاء الحيوانات والطيور والحشرات، وحاول الأطباء القدامى اجراء عمليات لمرضاهم، وقد تم اكتشاف جماجم يرجع تأريخها الى 20 ألف سنة مضت توجد فيها ثقوب، وكانت هذه العمليات المعروفة باسم تثقيب الجمجمة تجري لاخراج الأرواح الشريرة من رأس المريض أو لشفاء الصداع، لاتزال تستعمل في الوقت الحاضر الكثير من الأساليب التي استخدمها رجال الطب القدامى خصوصا الشعائر والأعشاب الطبية في المجتمعات التقليدية والقبلية ونقدم هذا المقطع الفيديو كدليل لكم وهو رجل طب افريقي يمارس طرق غريبة لعلاج الصداع .
الجمجمة المثقوبة والمنشورة يرجع تاريخا الى ألفين سنة مضت
العلاجات القديمة
يعالج طبيب من أزتك ساق المريض، لاحظ الصبير
كان أطباء مصر القدامى يفحصون المرض ويشخصون الأمراض ويصفون الأدوية لعلاجها كما يفعل الأطباء في الوقت الحاضر، وتوصي احدى النصوص المصرية المكتوبة في حوالي عام 2500 قبل الميلاد باجزاء أعمال كالضغط لايقاف النزيف، إلا أن الاطباء المصريين اعتمدوا على السحر أيضا فنصحوا المرضى بلبس التعويذات لدفع الأمراض، اعتاد الأطباء القدامى على استعمال الأدوية العشبية، ومئات السنوات من الاختبارات والأخطاء ساعدت هؤلاء الأطباء على معرفة النباتات التي لها خواص علاجية، البعض من هذه مازالت مستعملة الى اليوم، استعمل الأطباء التقليديون في أمريكا الجنوبية لحاء نبتة الكينا، هذا اللحاء يحتوي على الكينين الذي يعتبر الدواء الأول لمعالجة مرض ملاريا، والعلاج القديم الآخر الذي استخدم في أوروبا هو نبات قفاز الثعلب ( القمعية الأرجوانية )، الذي يحتوي على دواء ما زال يستعمل منبها للقلب، واستخدمت بعض العلاجات القديمة لأنها كانت تشبه الامراض أو الأجزاء التي كان يقصد معالجتها، فعلى سبيل المثال استخدم الأطباء الاعشاب الأوروبيون نبتة حشيشة الرئة لمعالجة مشاكل التنفس وهذه الفكرة تعرف باسم الارشادات التعليمية، وكانت العلاجات سهلة التذكر، في وقت كان في عدد قليل جدا من الناس يعرفون القراءة والكتابة، ومن مؤسف أن الكثير من العلاجات لم تكن فعالة.
نبتة الكينا
الطب الصيني
رمز اليين ويانغ
اختراع الصينيون في حوالي عام 300 قبل الميلاد نظاما طبيا مبنيا على فكرة احتواء كل شيء على صفتين متميزتين هي يين ويانغ، وللبقاء في صحة جيدة يجب ابقاء هاتين الصفتين في حالة متوازنة، ويفترض أن تتم محافظة على هذا التوازن بواسطة قوة المقدرةالتي يرمز اليها باسم كيي والتي تجري على طول الخطوط تدعى الاوج، سيطر الاطباء الصينيون على جريان كيي بواسطة الأعشاب او عبر أسلوب يدعى الوخز بالابر، وهذا يتطلب ادخال الابر في مناطق على طول الخطوط التي تدعى الاوج.
نقاط الوخز بالابرة : يبين هذا الرسم احدى الخطوط التي تجري على طولها قوة طاقة.
الطب الاغريقي والروماني
أبو الطب : كان أبقراط طبيب علمي بنى علمه على الملاحظة الدقيقة لمرضاه.
وضع الرومانيون والاغريقيون القدامى ثقتهم بأسكليبيوس اله الشفاء، وكانو عند المرض يقدمون قربانا في معبد مخصص لاسكليبيوس، الا أن أحد الأطباء الاغريق أبقراط ( سنة 460 قبل الميلاد -370 قبل الميلاد ) رفض العلاجات السحرية، ابقراط معروف حاليا باسم أبو الطب، حيث أكد على أهمية فحص المريض ومعرفة التاريخ المفصل عن مرضه، ولقد كتب أبقراط وأتباعه العديد من الكتب عن الجراحة والتشريح والمرض، ودعى طلابه لاتباع قانون اخلاقي القسم لبذل كل ما في وسعهم لمساعدة مرضاهم، ومازال الأطباء الى وقتنا الحاضر يؤدون هذا القسم، كان غالين ( عام 130 بعد الميلاد - 200 ميلادي ) طبيبا يونانيا ولد في فترة الرومانية، وقد درس التشريح وتعريف مختلف العضلات ويبين العروق هي التي تحمل الدم، وأدرك أن النبض يمكن استعماله كدليل على معرفة صحة المريض، إلا ان غالين قام بتشريح الكلاب والقردة فقط، لذا كانت العديد من استنتاجاته خاطئة وقد أساء الأطباء فهم التشريح الانساني لمئات السنين بعد موته.
جرح في المعركة : كان الأطباء الرومانيون الحاذقون يسافرون مع الجيش الروماني، ويبين هذا الرسم جداري طبيب يعالج جندي مصاب في الفخذ
الطب الاسلامي
واجهة كتاب قانون الطب لابن سينا
بعد سقوط روما في القرن خامس بعد الميلاد بقيت العلوم الطبية حية في العالم الاسلامي، أهم الأطباء المشهورين آنذاك كانا من بلاد فارس وهما الرازي ( القرن التاسع ) وابن سينا ( 980-1037 م) حيث شخص الرازي الأعراض المختلفة لمرض الجدري والحصبة، وكان كتاب ابن سينا العظيم هو كتبا القانون، وتم بناء على طلب الطبيب اليوناني غالين ترجمة الكتاب الى الاتينية للأطباء الغربيين، وقدم الأطباء الأعشاب المسلمون نباتات طبية جديدة من الشرق، حيث كانوا من الرواد في استعمال التوابل طبيا كجوز الطيب والقرنفل والزعفران.
دروس التشريح في عهد النهضة
مخطوطات ليوناردوا : توجد في هذه الصفحة مخطوطة تصاوير مختلفة للأطفال وهم في الرحم.
نظر العلماء وفنانون عصر النهضة الى التشريح بأسلوب جديد، وعوضا من الاعتماد على كتابات القدماء، مثل غالين قاموا بالفعل بتشريح الأجسام البشرية، وقد رسم فنانون مثل ليوناردو دا فينشي ( 1425-1519 م) وميكال آنجلو ( 1475-1564 م) رسوما مفصلة عن العظام والعضلات، وقام الأطباء الايطاليون بنفس العمل خلال القرن السادس عشر، والعديد منهم قد تدرب في المدرسة الطبية الكبرى في بادووا وايطاليا، وعملوا في المستشفيات الأولى في سالرنو وبولونيا، وقام غابرييل فالوبيوس ( 1532-1562 م) بدراسات مفصلة عن تشريح الانسان، أما سانتوريو سانكتوريوس فقد درس كيمياء جسد الانسان، كان آندرياس فيزيليوس ( 1514-1564 م) الذي ولد في بلجيكا أعظم عالم في تشريح في عصر النهضة، فقد عمل في ايطاليا واسبانيا، وكان فيزيليوس غير راض عن الأساليب القديمة المستعملة في مدرسة بادووا، وقد أعطى دروسا أثناء التشريح حيث لاحظ فيه طلاب كيفية عمل جسم انساني، ونشر فيزيليوس في عام 1543 م أول دليل مزين بالرسوم التوضيحية عن التشريح الانساني ورسم الدليل " الكتب السبعة حول تركيب الجسم الانساني"، وقد ازعج هذا الدليل الكثير من المسيحيين الذي اعتقدوا بعدم صواب تقطيع الأجساد البشرية، وقد حكم عليه بالموت، ثم تم اعفاء عنه شريط ذهابه في زيارة للقدس حيث مات وهو في طريق عودته من هذه الزيارة.
يقوم فيزيليوس في هذه الصورة بتشريح ذراع انسان في بداية كتاب
العلقات والحجامة
من الأزمنة اليونانية القديمة وحتى القرن الثامن عشر، اعتقد الأطباء بان الجسم يحتوي على أربعة سوائل هي السائل والأسود والدم و البغم ووسائل الصفراء، كما اعتقدوا ان سبب الأمراض هو عدم توازن في مخلوط هذه المواد والتي يمكن أن تعالج عن طريق فقدان بعض الدم.
يبين هذا الرسم المحفور والذي يعود تاريخه الى القرن التاسع عشر طبيب يقوم بسحب الدم من ذراع مريض.
وخلال القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر قام الأطباء في بعض الاحيان بسحب الدم من مرضاهم بوضع علقات الطبية على جلودهم، وكانت هذه العلاقات عبارة عن ديدان طفيلية تمتص دم المريض، وكانت الأورام الخبيثة والنقرس أو داء المفاصل السعال الديكي وحتى الأمراض العقلية تعالج بواسطة هذه العلاقات.
التحصن ضد الجدري
يقوم هذا الطبيب في القرن التاسع عشر تلقيح طفل ضد الجدري
كان المرض الجدري حتى القرن التاسع عشر مرضا قاتلا، وقد جاءت أولى الخطوات باتجاه ايجاد علاج له في القرن الثامن عشر، عندما اكتشف الأطباء في تركيا ان الناس لم يصابوا بالمرض مرة ثانية أبدا، ومن خلال اعطاء جرعة صغيرة من المرض كانوا يحمون الفرد من الاصابة بالمرض مرة أخرى، وقد لاحظ الطبيب البريطاني ادورد جنر ( 1749-1823 م) أن الأشخاص الذين اصيبوا بمرض الجدري البقر وهو أخف من المرض الجدري لم يصابوا بمرض الجدري ابدا، وفي عام 1796 م بدأ بالتحصن ضد المرض بتزريدهم بلقاح ( جرعة صغيرة من فيروس الجدري البقر )، ويتم تلقيح ملايين الناس خلال السنوات اللاحقة، وفي أعوام السبعينات من القرن العشرين تم استئصال مرض الجدري من على وجه الأرض تماما، تستعمل اليوم اللقاحات لمنع الأمراض القاتلة الأخرى كالتيفوئيد وداء الكلب والدفتيريا ( الحناق ) وشلل الأطفال.
العقاقير المخدرة
قام ولز باول بعملية علنية لانسان في بوسطن في عام 1845 م ليبين منافع أكسيد النتري
لم يستطع الجراحون الأوائل القيام بشيء مهم لايقاف الآلام أثناء العمليا، حيث ركزا على انجاز العمل بأسرع ما يمكن، وغالبا ما كان يعطي للمرضى جرعات من الكحول كي لا يشعروا بالألم وهم في حالة السكر، كانت هناك بعض الأدوية القاتلة للألم كالأفيون، ولكن لم يعرف الا القليل عن الجرعات التي يجب اعطاءها، في عام 1844 لاحظ طبيب الأسنان أمريكي يدعى هوراس ولز ( 1815-1848 م) الاستعمال العلني للغاز المضحك ( أكسيد النتري )، الذي ساهم بشكل مؤثر في تقليل حساسية المرضى تجاه الألم أكثر من مجرد اضحاكهم، وعليه فقد قرر ولز استشمام الغاز بنفسه أثناء قيام زميل له بقلع أحد أسنانه، وقد نجحت التجربة، يعتبر الايثر غازا آخر يقلل كثيرا من حساسية المرضى اتجاه المرض، وقد تم اكتشافه من قبل العالم الانجليزي مايكل فاراداي (1791-1867 م) في عام 1838 م، وقام الجراح الاسكتلندي روبرت ليستون ( 1794-1847 م) في عام 1846 م بإجراء أول عملية قطع عضو بواسطة استعمال الايثر، ومنذ ذلك الحين يتم استعمال العقاقير المخدرة بصورة روتينية أثناء العمليات، استعمل الطبيب اسكتلندي جيمس سيمبسون ( 1811-1870م) غاز الكلوروفورم لتقليص الألم عند الولادة، وقد أصبح هذا شائعا عندما أعطيت الملكة فكتوريا الكلوروفورم أثناء الولادة طفلها السابع في عام 1853م.
محاربة العدوى
لويس باستور في المختبر
قبل أواخر القرن الثامن عشر، لم تكن تعرف أسباب معظم الأمراض، احرز العالم الفرنسي لويس باستور ( 1822-1895 م) تقدما عظيما في أبحاثه حيث عرف أن هناك أجساما دقيقة تدعى البكتيريا، وقد لاحظ باستور أثناء دراسته لصنع البيرة والنبيذ أن بكتيريا تعطي للشاربيين طعما حامضا، واذا قام بتسخين المشروب فان ذلك يؤدي الى موت البكتيريا وتوقف عملية التحميض، لقد بين أن بكتيريا تؤدي الى تعفن الطعام، وان الحرارة تقتل البكتيريا وتمنع عملية التفسخ، منتجات الحليب مازالت تعالج بالحرارة لقتل البكتيريا الضارة في عملية تعرف بالبسترة. وقد قال باستور أن بكتيريا تسبب الأمراض أيضا، وفي تلك الأيام لم يهتم الأطباء باكتشافات باستور باستثناء الجراح البريطاني جوزيف ليستر فقد كان يعرف أن المرضى يموتون في الغالب بعد اجراء عملية جراحية بسبب تعفن جروحهم، وقد خمن ان السبب يرجع الى بكتيريا التي تدخل الجروح، وقد اختبر ليستر نظريته برش صالة العمليا بحامض الكربوليك الذي يقتل البكتيريا، كما أبقى جروح المرضى نضيفة جدا وأصر على غسل الأطباء والممرضات لأيديهم، وقد سخر في البداية زملاءه من أسلوبه الجديد، الا أن هذا كان مانعا امام موت الكثير من المرضى، ولاحقا تم تدريجيا قبول فكرة العمليات الجراحية المعقمة.
الأشعة السينية
يمكن أخذ صورة واضحة للعظام البشرية بواسطة أشعة السينية
في عام 1895م، اكتشف الطبيب الألماني ولهلم رونتجن (1845-1923 م) الأشعة السينية، وهي نوع من الاشعاعات التي تمر عبر الأنسجلة البدن الرقيقة كالعضلات ولكن لاتمر خلال الأنسجة القوية كالعظام أو الأورام، كان هذا الاكتشاف مهما للتشخيص، حيث سمح الأطباء بالحصول على صورة فوتوغرافية عن الأجزاء الداخلية للبدن، وكانت الأشعة السينية تستعمل في البداية فقط لفحص الجمجمة، وفيما بعد تعلم الأطباء تصوير الاجزاء الأخرى من البدن بهذه الأشعة وذلك بتزريق السوائل لايمكن للأشعة السينية اختراقها، في عام 1918 م تم أخذ صور بالأشعة السينية للمخ.
العقاقير العجيبة
كانت وحتى بداية القرن العشرين هناك أنواع قليلة من الادوية نسبيا، ففي السنين الأولى من القرن العشرين كان الباحثون الطبيون يأملون يتطوير أو اكتشاف الأدوية التي تقضي على العدوى داخل الجسم، كما تفعل المطهرات التي استعملها ليستر لقتل البكتيريا خارج الجسم، حصل اكتشاف الرئيسي الأول في عام 1928 م على يد دكتور الاسكتلندي الكسندر فليمينغ ( 1881-1955م)، إذ كان يقوم بدراسة أحد الجراثيم واسمه المكور العنقودي، وعندها لاحظ ان وعاء الاستنبات ( زرع بكتيريا أو أنسجة الحية للدراسة العلمية او لأغراض طبية) قد تلوث بالفطريات والبكتيريا القريبة من الفطر بدت وكأنها قد ماتت، عرف فليمينغ أن هذا الفطر باسم البنيسيليوم، وقد استغرق بعض الوقت وبعض المساعدة من العلماء الآخرين قبل أن يتم عزل البنيسيلين فعلا، وفي نهاية تم استعماله لمعالجة الأمراض المعدية في عام 1941 م، ومنذ ذلك الحين تم اكتشاف العديد من المضادات الحيوية الجديدة، الأدوية التي تقضي على البكتيريا أو تحد من نموها، وقد أدى ذلك الى تقليص الأمراض التي تسببها البكتيريا.
تحويلتحويل تعبيراتتعبيرات