موقعة العقاب
بعد الانتصار الباهر الذي حققه الموحدون حكام الأندلس والمغرب على صليبي الأندلس في معركة الأرك سنة 591هـ، ركن الصليبيون للمهادنة انتظارًا للفرصة السانحة للوثوب مرة أخرى، وقد مات أعظم خلفاء دولة الموحدين المنصور الموحدي بعد أربع سنوات من المعركة
فقد وافته منيته في شهر ربيع الأول سنة 595 هجرية = يناير 1199م ,
فقد وافته منيته في شهر ربيع الأول سنة 595 هجرية = يناير 1199م ,
وقد أوصي في مرضه الآخير رجال الدولة بالأندلس وقال وعيناه تذرفان الدمع ( أوصيكم بتقوي الله وبالأيتام واليتيمة ) ولما سئل ماذا يقصد بالأيتام واليتيمة قال اليتيمة جزيرة الأندلس والأيتام سكانها المسلمون وقال أيضا إياكم والغفلة فيما يصلح بها من تشييد أسوارها وحماية ثغورها وتربية أجنادها وتوفير رعيتها ولتعلموا أنه ليس في نفوسنا أعظم من همها يقصد الأندلس وكان هذا آخر ما تكلم به رحمه الله وغفر الله له وتولي بعده ابنه وولي عهده محمد لقب بالناصر وكان له من العمر سبع عشرة سنة
كان ألفونسو الثامن منذ هزيمة الأرك الساحقة يتوق إلى الانتقام لهزيمته وغسل عارها الذي جلل سيرته وفترة حكمه، فلما اشتعلت ثورة بني غانية وهم من أولياء دولة المرابطين التي كانت تحكم الأندلس والمغرب قبل الموحدين، في شرق الأندلس وشمال إفريقيا انشغل زعيم الموحدين الناصر لدين الله بقمع هذه الثورة، وذلك منذ سنة 595هـ حتى سنة 607هـ، وهي السنة التي قرر فيها ألفونسو الثامن الهجوم على الأندلس مرة أخرى.
بدأ ألفونسو الثامن حملته الصليبية على الأندلس بإزالة الخلافات العميقة بين ممالك إسبانيا النصرانية الثلاثة (قشتالة - ليون - أراجون) والتي كانت سببًا مباشرًا لهزيمة الصليبيين المدوية في معركة الأرك سنة 591هـ، ثم قام ألفونسو الثامن بطلب المعونة والمباركة من بابا روما، وهو البابا إنوصان الثالث وكان يضطرم بروح صليبية عميقة ويجيش بأحقاد عظيمة تجاه المسلمين الذين أفشلوا الحملات الصليبية على الشام وحرروا القدس، فوافق البابا على ذلك الطلب وأعلن شن حرب صليبية ضد مسلمي الأندلس، بعدها بدأت التحرشات الإسبانية.
كان لاستئناف نصارى إسبانيا لغزواتهم المخربة في أراضي الأندلس أثر بالغ في الدولة الموحدية قرر معه الخليفة الموحدي الناصر لدين الله العبور إلى بلاد الأندلس، فأرسل كتبه إلى سائر أنحاء المغرب وإفريقية وبلاد القبلة كلها بالنفير للجهاد ضد الصليبيين وإعداد العدة اللازمة لذلك، في شعبان سنة 607هـ خرج الناصر بجحافل جرارة تقدر بمئات الآلاف وهذه الضخامة كانت في النهاية سببًا مباشرًا للهزيمة
وصلت الجيوش الموحدية لـ إشبيلية في آخر ذي الحجة سنة 607هـ، وهناك انضم إليه أعداد كبيرة من جنود الأندلس وأصبحت الجيوش في حالة تعبئة كاملة، وحدد الناصر هدف الهجوم وهو قلعة شلبطرة في جبال الشارات سييرامورنيا الآن، وكانت هذه القلعة بيد فرسان المعبد الصليبي، وكانت نقطة إغارة دائمة للصليبيين على المدن الإسلامية بالأندلس، فطوق الموحدون القلعة وضربوها بالمجانيق حتى فتحوها بعد 51 يومًا من الحصار.
كان لفتح هذه القلعة أثر شديد في قلوب الصليبيين خصوصًا ألفونسو الثامن للأهمية الكبيرة لهذه القلعة، فقرر الهجوم على قلعة رباح وكانت نظيرة قلعة شلبطرة في الأهمية والمكانة عند المسلمين، وقد انضم لألفونسو آلاف المتطوعين من فرنسا وألمانيا وهولندا وإنجلترا ومجموعة كبيرة من الأساقفة والرهبان، إضافة للفرسان الأسبتارية والداوية الذين انتقلوا من الشام إلى الأندلس لحرب المسلمين، وأمر البابا إنوصان الثالث في روما بالصوم ثلاثة أيام التماسًا لانتصار الجيوش الصليبية على مسلمي الأندلس، وأقيمت الصلوات العامة وعمد الرهبان والراهبات إلى ارتداء السواد والسير حفاة في مواكب دينية بخضوع وتمهل ومن كنيسة إلى أخرى، وجاشت نفوس الأوربيين كافة بروح صليبية عارمة.
هجم الصليبيون بشدة على قلعة رباح وشددوا عليها الحصار حتى أجبروا حاميتها الصغيرة على الاستسلام نظير الأمان، وقد أدى هذا الأمان لغضب الصليبيين الفرنجة الذين جاءوا من أوربا الذين أرادوا ذبح الحامية الإسلامية ورفض أي تسوية سلمية تحقن دم المسلمين، وتنامى هذا الغضب حتى انشق كثير منهم وتركوا ألفونسو الثامن وعادوا إلى بلادهم.
وقعت حادثة كان لها أسوأ الأثر على معنويات الجيوش الإسلامية، ذلك أن الناصر لدين الله قام بإعدام ابن قادس قائد حامية قلعة رباح ومن معه من الفرسان، لاعتقاده أنهم قد فرطوا في الدفاع عنها، فتأثر الكثيرون بهذا الأمر وأصابهم الغضب وأضمر الأندلسيون الغدر عند اللقاء وبيتوا الفرار عند الحرب والذي أدى في النهاية لكارثة العقاب
استعد الفريقان للصدام المرعب وكان الناصر الموحدي مزهوًّا بنفسه واثقًا من النصر لحد الغرور المهلك نظرًا لضخامة الجيوش الموحدية فقد كانت قرابة النصف مليون، وكانت ثنية العقاب عند سفح جبال الشارات بالقرب من مدريد حاليًا هي موضع القتال الذي اندلع في 15 صفر سنة 609هـ= منتصف يوليو 1212م وهجم الموحدون بكل قوتهم على صفوف الصليبيين الذين صمدوا بروعة لهجوم الموحدين، ثم أخذوا في التراجع والانهزام أمام الموحدين، وبدا النصر قريبًا، ولكن كان الهجوم الخاطف الذي قاده ألفونسو الثامن بنفسه على ميمنة الموحدين ثم تلا ههجوم مماثل على ميسرة الموحدين قام به ملك أراجون، فاضطرب جناحا الجيش الإسلامي واختلطت صفوفهم، وعندها قام الأندلسيون بتنفيذ خطتهم في الفرار من أرض المعركة، وحاول الناصر الموحدي عبثًا تنظيم صفوف جيشه ولكنه فشل وكاد أن يقتل هو نفسه، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للموحدين قتل فيها عشرات الآلاف، منهم معظم المتطوعين من المغاربة وقبائل العرب.
وقال الناصر وهو يفر من أرض المعركة مقولته المدوية صدق الرحمن وكذب الشيطان , حيث أنه دخل الموقعة وهو يعلم أنه منصور بعدده فعلم أن هذا من إلقاء الشيطان وكذبه لكن عارف ذلك بعد وقع الكارثة التي تسببت في ضياع الأندلس , وحدثت بعد المعركة مأساة بياسة فقد فر معظم أهله ولم يبق فيها إلا الضعفاء والمرضي الذين اجتمعوا في الجامع الكبير فقام النصاري بقتلهم جميعا بالسيف ثم حدثت مأساة أبذة ودفع أهلها عنه بكل قوة لكن كانت هزيمة نكراء لهم وقتل ألفونسو الثامن كل أهله , وقد توفي الناصر بعد المعركة بعام واحد
المصادر
الجبهة الإسلامية في مواجهة المخططات الصليبية جبهة صقلية والأندلس
سقوط الأندلس للدكتور فتحي زغروت
1000 معلومة عن الأندلس للدكتور أحمد حامد آل برجل
معارك حاسمة في التاريخ
دولة الإسلام في الأندلس كتاب دولة الموحدين
قصة الأندلس
الإحاطة في أخبار غرناطة
تاريخ المصور للاندلس
الجبهة الإسلامية في مواجهة المخططات الصليبية جبهة صقلية والأندلس
سقوط الأندلس للدكتور فتحي زغروت
1000 معلومة عن الأندلس للدكتور أحمد حامد آل برجل
معارك حاسمة في التاريخ
دولة الإسلام في الأندلس كتاب دولة الموحدين
قصة الأندلس
الإحاطة في أخبار غرناطة
تاريخ المصور للاندلس
تحويلتحويل تعبيراتتعبيرات